فى الضبعة يسكن الحلم المصرى فى إنشاء المحطة النووية، وفى إنشاص بدأ الأمل بدخول مصر عصر المفاعلات النووية منذ افتتاحه فى عام 1961. وما بين الضبعة وإنشاص يسكن الطموح المصرى لا توقفه حدود ولا تمنعه أماكن.
هذا المكان مر بمراحل وظروف عديدة، ولكنه ظل شاهدا على طموح لا يتوقف لدى المصريين، وأيضا بقى خالدا ليدون أول استخدامات سلمية للطاقة النووية لخدمة التنمية والبناء فى مصر، وتقديم عشرات التطبيقات السلمية التى قطع فيها الملف النووى المصرى شوطاً عميقاً.
«الأهرام» دخلت المجمع النووى فى إنشاص، فى جولة استمرت ست ساعات، رصدت خلالها خطط تطوير المفاعل الأول وتحديات قرار معلق لتحديد مصيره ما بين التشغيل أو التطوير أو التوقف، ورصدت الخطوات المتلاحقة لتطويع إشعاعات الذرة فى الاستخدام السلمى يوماً وراء يوم. كما عشنا مع أطقم تشغيل المفاعل ، لحظات النشاط من خلال تسليم وردية لأخري، ساعات العمل الشيقة.
حملتنا السيارة «الفان» عبر طريق الإسماعيلية الصحراوي، تتقدمنا سيارة مرافقة لمندوبى هيئة الطاقة الذرية التى تمتلك وتدير وتشرف على كل منشآت مصر النووية البحثية، عندما اقتربنا من مداخل «أنشاص» بدأت عملية اجتياز المنافذ الأمنية وإبراز التصاريح والموافقات من نقطة لأخرى ، وبدأنا فى التطلع للأفق القريب بحثاً عن أبراج المفاعل بشكلها الضخم المعهود كما نعرفها فى الصور، لكن فشل ترقب زميلى المصور وهو يستعد للقفز لتصوير المفاعل من الخارج، وأخيرا توقفت السيارات داخل مجموعة مبان على شكل مكعبات وابتسم المرافقون وهم يرحبون بنا: «أهلا بكم فى مجمع مفاعل مصر البحثى النووي»، وأدركنا أنه لا توجد أبراج للمفاعل وأن الصورة التقليدية المتداولة لمفاعلات مختلفة عن المفاعل المصري.
المجمع مشيد على مساحة 87 ألف متر مربع ومحاط بسياج مزدوج وفقا لمعايير التأمين الدولية للموقع. ويضم موقع أنشاص المفاعل البحثى الأول أو المركز الأم، وهو المفاعل الأول الذى ورده الاتحاد السوفيتى فى 1958 وافتتحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى 1961، والمفاعل متوقف حاليا فى انتظار تحديد مصيره، ويضم أيضا مركز المعامل الحارة الذى يختص بمعالجة النفايات المشعة، أما المفاعل البحثى الثانى فيتكون من أربعة مبان منخفضة منفصلة ومتباعدة يتوسطها مبنى المفاعل الذى يرتفع من عدة طوابق.
وتتوالى كلمات مرافقنا: «المفاعل المتوقف من نوع» خزان الماء الخفيف بقدرة 2 ميجا وات. وفى الثمانينيات من القرن العشرين تم تحديثه وتوسيع إمكانات تشغيله تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفى أبريل 2010 تلفت إحدى مضخات تبريد المفاعل ETRR-1، وتم إصلاحها دون أى تسرب للمياه المشعة.