ويستخدم فى إنتاج الألياف الضوئية وصناعة الخلايا الشمسية التى تبرز أهميتها هذه الأيام مع تزايد الاتجاه إلى الاستفادة من الطاقة الشمسية كأحد أهم مصادر الطاقة البديلة والنظيفة، كما تدخل فى صناعة الزجاج والرقائق الإلكترونية والكثير من الأجهزة والمواد الصناعية، التى تقوم عليها التكنولوجيا الحديثة ويمكنها وضع مصر على طريق الصناعات الدقيقة والدخول إليه من أوسع أبوابها، وتفتح آفاقاً أرحب لجذب استثمارات ضخمة وخبرات فنية نحن فى حاجة إليها.
ووفقا لدراسة أجرتها شعبة المحاجر باتحاد الصناعات المصرية، يتجاوز احتياطى الرمال البيضاء بمصر نصف مليار طن، فى جنوب سيناء وحدها بمنطقة هضبة الجنة وأبوزنيمة احتياطى 268 مليون طن، ويعتبر مركز أبو الرياش شمال سيناء الأول عالميا من حيث الجودة، وفى منطقة وادى قنا احتياطى يقدر بنحو 260 مليون طن، وفى منطقة شمال سيناء 120 مليون طن، وبوادى الدخل بقنا 27 مليون طن، كما يعد بحر الرمال العظيم بالمنطقة الغربية الذى يقع على مساحة 72 ألف كيلومتر ثانى أكبر منطقة مغطاة بالرمال فى العالم.
وتصدر مصر الطن الخام من الرمال البيضاء بـ 20 دولارا، مع العلم أن المصدر الخام يعاد بيعه للمستهلك بأكثر من 150 دولارا بالدول المتقدمة فى صناعة التكنولوجيا كأمريكا والصين وغرب أوروبا، وبعد تصنيعه على شكل زجاج يصل سعر الطن إلى 1000 دولار، وباستخراج عنصر السيليكا منه لاستخدامه فى الخلايا الشمسية يصل إلى 10 آلاف دولار، وتتجاوز قيمته فى صناعة الرقائق الإلكترونية الـ 100 ألف دولار.
الدراسة المشار إليها نبهت إلى أن ثرواتنا المهولة من الرمال مهدرة بسبب تصديرها خاما رخيص الثمن، بينما يعتبر تصنيعها استثمارا طويل الأجل يوفر فرص عمل، مما يسهم فى تحقيق أهداف الدولة للتنمية المستدامة.
«تحقيقات الأهرام» توجهت إلى عدد من الخبراء بالسؤال حول عوائق استثمار القيمة المضافة للرمال البيضاء فى مصر.. وكيف تتحول إلى مركز عالمى لتصنيع الرقائق الإلكترونية؟
الدكتور علاء النهرى، نائب رئيس المركز الاقليمى لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة وأستاذ البيولوجى يقول: إن مصر كانت تصدر الرمال البيضاء منذ وقت قريب بشكل كبير وبقيمة زهيدة، وفقا لقانون 1956 الذى يقضى بالتصرف والاستثمار فيها، وأبرز الدول التى تستورد الرمال البيضاء من مصر، هى الصين واليونان وإسبانيا وقطر والفلبين، ولكن انتبهت الدولة لذلك واتخذت إجراءات بعدم تصديرها خاما، وبدأت بإعداد دراسات لاستغلال خام الرمال وتصنيعه محليا عندما أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإعادة تصنيع جزء منه والحفاظ على خاماته المحلية حتى تتوفر التكنولوجيا اللازمة لاستغلاله، مشيرا إلى أن إنتاج اشباه الموصلات ساهم منذ عام ١٩٩٥ بـ ٥ تريليونات دولار فى الناتج الإجمالى للعالم .
ويرى النهرى، أن عقبات استثمار قيمة مضافة للرمال هى فى المقام الأول عوائق تكنولوجية فهذه الصناعات تتطلب عمالة ماهرة مُدربة، وتحتاج إستثمارات ضخمة وقدرات تكنولوجية فائقة، مشيرا إلى سيطرة دول وشركات محددة على هذا القطاع تستأثر بعملية التصنيع وتحجم عن تصدير المعدات، ولكى نعمل فى هذا المجال علينا الاستعانة بالخبرات العالمية لاكتساب مهارات هذه الصناعة تدريجيا.
الخلايا الشمسية
أما الدكتور عباس شراقى، أستاذ الچيولوچيا والموارد بجامعة القاهرة فيوضح، أن الاستثمار الحقيقى لهذه الرمال يكمن فى الصناعة وليس التصدير، واذا لم نتمكن من التصنيع الكامل للسيليكا فعلى الأقل تكون نصف مُصنعة، فالرمال البيضاء عبارة عن سيليكا تستخدم فى الدوائر الكهربائية وأهم استخداماتها فى الوقت الحالى فى عمل الخلايا الشمسية ونحن بحاجة ضرورية إليها ولدينا أكبر محطة للطاقة الشمسية فى العالم( بنبان) فى أسوان وتكلفتها أكثر من مليارى دولار، والتى هى فى الأساس أشباه موصلات والخام الرئيسى لها هو الكوارتز أو السيليكا، لكن لا نملك التكنولوجيا المُعقدة والدقيقة للغاية لتصنيعها، وتحرص الشركات العالمية المحتكرة لهذه الصناعات على عدم نقلها إلينا لنظل نستوردها منها.
مكاسب تصنيع الخلايا
الدكتور شراقى أكد، أننا بحاجة ضرورية لمحطات الطاقة الشمسية والتوسع فيها لتوفير الوقود التقليدى، ولو نجحت مصر فى دخول هذا المجال فسوف يفُتح الباب على مصراعيه لتلبية احتياجاتنا والدول الإفريقية بمحطات الطاقة الشمسية المصرية، ومن المعروف أن70 % من دول جنوب الصحراء وشمال إفريقيا تمتلك الطاقة الشمسية ولكنها لا تمتلك امكانات ومهارات تحويلها لكهرباء، ولذلك دخول مصر إلى هذا المجال سيقلل التكاليف بنسبة 50%.
وشدد على اهمية مواصلة التطور والتصنيع، حيث تعتبر الرمال البيضاء كنزا إذا استطعنا تحويلها إلى الدوائر الكهربائية أو خلايا الطاقة الشمسية وتصديرها للدول الإفريقية لأنها سوق ضخمة وواعدة، وتفتح أمامنا آفاقا تنافسية توفر لنا مليارات من العملات الصعبة، وتحد من الضغوط الاقتصادية، خاصة فى مثل هذا الوقت الذى يشهد العالم صراعات الأساس فيها التكنولوجيا والقدرة على توفيرها والطاقة ومصادر الحصول عليها، فالصناعة هى أساس تحسين الاقتصاد المصرى وتقدمه فى المستقبل.
ويرى المهندس محمد سالم، رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات الإلكترونية المصرية الرائدة، أن تصنيع الرقائق الإلكترونية يتم من خلال تنقية السليكون وصهره ثم تبريده، لتشكيل سبيكة وتقطيعها على شكل أقراص «رقائق» وهذه الصناعة تحتكرها شركات عالمية معروفة، ومع أن الصين تعد عملاق صناعة الإلكترونيات لكنها لا تمتلك سوى 5% من صناعة السيليكون.
وأضاف أن المعرفة وامتلاك التكنولوجيا سوف يضيفان لنا الكثير، والفكرة ليست فى عملية التصنيع، ولكنها فى امتلاك القدرات عند الوصول للمعرفة، موضحا أن تطبيق فكرة الحوافز سوف تدر علينا الكثير من المعرفة، فهى موجودة فى الشركات الأمريكية، وصناعة الويفرز بالدرجة الأولى توجد فى تايوان، فيما توجد فى ألمانيا أو فرنسا بشكل محدود جدا.
وأستطرد: يمكن أن نبدأ بتجميع الإلكترونيات حتى الوصول لمستوى أرقى طبقا لخطة على خمس أوعشر سنوات، لذلك نحتاج لتأسيس «الصناعات المغذية»، فلا يوجد مصنع فى العالم ينتج كل المكونات، بل هناك مصانع لمكونات معينة وكل منها يتخصص فى مكون بعينه وقد تصل إلى 14 مصنعا تقريبا مثل مصنعنا، وهذه المكونات ليست كلها بنفس درجة سهولة أو صعوبة التصنيع.
تجربة باكستان
وقال : لا بد من وضع ورقة سياسات لتداخل القطاع الخاص فى الاستثمار والاقتصاد المصرى تساعد على جذب الاستثمارات بشكل عملى يتيح الفرصة للشركات العالمية للدخول إلى السوق المحلية بشكل محفز لها، وهو ما سوف يحقق لمصر مكاسب كبيرة، لافتا إلى التجارب الناجحة بدول ظروفها تشبه ظروفنا مثل باكستان، التى بدأت بتجميع بسيط وفى ابريل الماضى أعلنت أنها حققت زيادة فى أعداد الأجهزة المجمعة بأيدى أبنائها أكثر مما استوردته كمنتج كامل التصنيع، ثم انتقلت إلى مرحلة أرقى بإخطار الشركات التكنولوجية بأنها لن تقبل بالتجميع بداية من العام المقبل، ولابد من الوصول الى تصنيع «البوردا»، مع العلم بأنها أنشأت على أرضها 26 مصنعا يعمل بها 10 آلاف، وهذا ما يجب علينا اتباعه وصولا إلى هذا الهدف الذى يجب أن لا نحيد عنه تحت أى ظروف، وعلى سبيل المثال فقد بدأت سنغافورة وماليزيا والهند بالتصنيع المتقدم، بفضل البرامج الجيدة لتعليم العلوم والتكنولوجيا وعلاقاتها المتميزة بأمريكا، وتوافر عمالة منخفضة التكاليف، كما نفذت «إنتل» و«كوالكوم» استثمارات كبيرة لإنشاء مراكز تصميم للشرائح الذكية، ما ساعد على إطلاق اقتصاديات رقمية بتلك الدول وشجّع على نمو الشركات الصغيرة التى تبتكر تصاميم جديدة للرقائق.