ظهرت الوظائف الخضراء مع بداية التحول العالمى نحو اقتصاديات مستديمة بيئيا وارتباطها مع أسواق العمل، حيث تعتبر حجر أساس للتنمية، واستجابة للتحديات العالمية لحماية البيئة والتنمية الاقتصادية والاندماج الاجتماعى، من خلال إشراك الحكومات والعمال وأصحاب العمل كعناصر فاعلة للتغيير.
فيما تشجع منظمة العمل الدولية كذلك إضفاء “الخضرنة” على الشركات والممارسات داخل مكان العمل وسوق العمل ككل، وتوفر هذه الجهود فرص عمل لائقة وتحسن من كفاءة الموارد، وتبنى مجتمعات مستديمة منخفضة الكربون. وحسب المنظمة فإن الوظائف الخضراء هى الوظائف اللائقة التى تسهم فى الحفاظ على البيئة أو استرجاعها، وذلك إن كانت في القطاعات التقليدية كالتصنيع والبناء، أو فى القطاعات الخضراء الجديدة الناشئة كالطاقة الجديدة والمتجددة وكفاءة الطاقة. وتسهم الوظائف الخضراء فى تحسين كفاءة الطاقة والمواد الخام، وتخفيض النفايات والحد من التلوث والتكيف مع آثار التغير المناخى، والحد من انبعاثات الغازات الناتجة عن الاحتباس الحرارى.وعلى مستوى المؤسسات، يمكن من خلال الوظائف الخضراء إنتاج السلع أو تقديم الخدمات التى تعود بالنفع على البيئة.
الدكتورة أنهار حجازى، خبيرة الطاقة والتنمية المستديمة، تشير إلى أن «الوظائف الخضراء» تتركز دائما فى مجالات الطاقة المتجددة، والكيمياء الخضراء، والنقل المستديم، وصناعة الهيدروجين الأخضر، والمبانى الخضراء، والغابات، والسلامة الإقليمية، والتسويق الأخضر، والصحافة البيئية والنشر، والسياحة المستديمة. وأوضحت أن مواجهة تغير المناخ وتقليل الإنبعاثات الضارة يتطلب تحولا فى نظم الطاقة، من خلال دخول تقنيات جديدة لازمة لموازنة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة.
ولفتت إلى تقديرات ومعدلات عالمية تشير إلى أنه خلال السنوات المقبلة ستكون ٤٠% من الوظائف الجديدة تنتج عن الطاقة المتجددة، و٦٠% من طاقة الرياح والخلايا الشمسية، وسوف تقسم العمالة فى هذه الوظائف ما بين مهندسين وفنيين، وستكون النسبة الأكبر لتشغيل العمال والفنيين.
وقالت حجازى إن المتابع للسياسات الخضراء فى مصر يجد أن الحكومة بالفعل قامت باعتماد سياسات خضراء، ودليل لمشروعات التنمية الخضراء، والتحضير لإستراتيجية انبعاثات كربون، وذلك فى مسار مصر نحو مواجهة آثار التحديات المناخية، مشيرة إلى أن مصر حققت العديد من قصص النجاح فى تحويل التحدى البيئى إلى فرصة للاستثمار والعمل، والتى تعد خطوات داعمة فى توجه مصر نحو التعافى الأخضر، مشيرة إلى أن الدولة تعمل على خلق بيئة مناسبة للشراكة بين القطاعين العام والخاص والشركات الوطنية والعالمية لاستقطاب التكنولوجيا النظيفة قليلة التكلفة ومشروعات الطاقة المتجددة، وإيجاد حوافز لهذه المشروعات.
ومن جانبه، يرى دكتور ماهر عزيز، استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ وعضو مجلس الطاقة العالمى، أن الوظائف الخضراء معتمدة على إقامة المشروعات الخضراء، مشيرا إلى أنه إذا نجحت صناعة الأسمنت فى تقليص الانبعاثات الدفيئة بها، فإنها ستولد أعمالا ووظائف خضراء، وكذلك قطاعات الزراعة والنقل والصناعة والتعدين.
ويؤكد أنه إذا نجحت «المنطقة الصناعية بحلوان» فى إحلال الصناعات المولدة للغازات الدفيئة، بما يعادلها بتكنولوجيات حديثة موفرة للطاقة، ستتقلص هذه الانبعاثات بنسب كبيرة وبالتالى تتحول لأعمال خضراء. ويشير استشارى الطاقة إلى أن الدولة فى استطاعتها وضع خطة قومية تدرج جميع التكنولوجيات القديمة فى برنامج إحلال مدته من ١٠ إلى ٢٠عاما، لنصل فى عام ٢٠٣٠ أو ٢٠٤٠ إلى إحلال كامل لجميع التكنولوجيات القديمة. وأضاف أن جميع المؤهلات الدراسية قادرة على أن تلتحق بالوظائف الخضراء من خلال دورات تدريبية بسيطة قبل الالتحاق بالعمل، وهذا التدريب توفره المؤسسات الصناعية والاقتصادية بصفة عامة، وبشكل أوتوماتيكى يطلق عليه دورات «أوريانتيشن» أى التهيئة والتوجيه.
ودعا عزيز للتفاؤل، لاسيما أنه بحلول عام ٢٠٥٠ ستصبح كل الصناعات والاقتصاديات بالدولة صناعات خضراء، لافتا إلى أن إستراتيجية المناخ ٢٠٥٠ التى وضعتها مصر تتضمن مبادئ الاقتصاد الأخضر لجميع القطاعات بالدولة.