تفاصيل الخبر
الحر .. تراجع مشروط - الأمم المتحدة توصى بالتعامل مع أزمة المناخ بالمعمار والأشجار
التاريخ : 19 / 8 / 2022
عاما بعد عام .. تتزايد شكوانا من «صيف» فوق الاحتمال .. نلجأ لأساليب التبريد الحديث ولا نعلم أنها حلول مؤقتة، لا تخلو هى الأخرى من ضرر على البيئة التى قررت أخيرا أن تواجهنا بشىء من نتاج أفعالنا


عاما بعد عام .. تتزايد شكوانا من «صيف» فوق الاحتمال .. نلجأ لأساليب التبريد الحديث ولا نعلم أنها حلول مؤقتة، لا تخلو هى الأخرى من ضرر على البيئة التى قررت أخيرا أن تواجهنا بشىء من نتاج أفعالنا، وإهمالنا لمقومات طبيعية رائعة تجاهلناها بحثا عن التقليد والحداثة، فإذا بنا نأتى بانبعاثات حرارية لا قبل للأرض بها، ولأن الحر أو «الاحترار» كما يسميه علماء البيئة لن ينتهى أو يتراجع، بل كما تقول المؤشرات إنه سيظل فى ازدياد، لذا يصبح الأهم أن نبحث عن حلول، دار معظمها حول العودة للقديم فى البيئة والطبيعة ونظام البناء والعمران.

ففى تقرير صدر يوليو الماضى عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أوضح أن تبريد المناطق الحضرية يحتاج لاستراتيجيات صديقة للبيئة، موصيا بأن دعم عدة بُلدان - من ضمنها مصر ـ يكون بإنشاء ممرات خضراء فى المدن لخفض درجات الحرارة والتعايش مع أزمة المناخ، حيث اعتبر البرنامج أن قطاع المبانى والتشييد يمكنه من خلال استراتيجية المناخ تحقيق هذا التكيف بحلول عام 2050.

 لماذا كانت البيوت المصرية القديمة لا تحتاج لتكييفات، بل استطاع سكانها فى معظم الأحوال الاستغناء تماما عن المراوح أيضا.. فكيف كان ذلك ؟

التفسير يتضح من خلال كلام الدكتورة علا على هاشم أستاذ التصميم بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، حيث تؤكد أنه ثبت علميا أن لكل بيئة خاماتها التى يمكن من خلالها التعايش مع الظروف البيئية الخاصة بها، حيث تمتلك تلك الخامات خواص تتغلب على ما يوجد فى تلك البيئة من ظروف تبدو صعبة، لذلك كلما أدخلت تكنولوجيا غير مناسبة للبيئة ظهرت المشكلات الحياتية، مثل لجوئنا فى مصر لتصميم الأبنية ذات الواجهات الزجاجية التى تعكس قوة حرارة الشمس إلى داخل المبنى أو الشقة، بينما نجد أن المبانى القديمة قد راعت الظروف البيئية فارتفاعات الأسقف عالية والأفنية الداخلية واسعة تعطى فرصة لحركة تيارات الهواء، ويتضح ذلك فى بيت السحيمى والبيوت الأخرى فى القاهرة القديمة، لأن الامتداد الرأسى للأبنية خلق كتلا سكنية خرسانية فى حين أنه ينبغى ألا تزيد الأدوار على ثلاثة ويكون التوسع فى البناء أفقيا لإمكان إنشاء الأفنية الداخلية، التى من شأنها أن تسحب الهواء من الممرات بين الأبنية، وبالتالى تقل درجة الحرارة الداخلية للمبنى، وكذلك إنشاء نوافذ صغيرة مقابلة للنافذة الكبيرة التى يجب أن تكون فى اتجاه الرياح الشمالية والعودة إلى استخدام «الشيش» الخشبى الذى يقوم بدور المشربيات فى العمارة القديمة، والذى تراجع كثيرا بسبب تفضيل «الألوميتال» ولذلك تؤكد د. علا ضرورة العودة للاستفادة من العمارة القديمة مع مراعاة الحداثة والتكلفة الاقتصادية، والالتفات لتفاصيل مهمة عند البناء أو التجديد، منها عدم استخدام الألوان الساخنة فى دهانات الجدران، مثل الأحمر والبرتقالى والبنفسجى لأنها تعطى إحساسا بالحر عكس اللون الأبيض والألوان الفاتحة عموما، وكذلك استخدام الخامات الطبيعية فى الديكور والحوائط والأرضيات، مثل الحجر الرخام أو كسر الرخام والرخام الطبيعى خاصة الأبيض منه لقدرته على الاحتفاظ بدرجة البرودة، عكس ما يفعله «السيراميك»، كذلك الأرضيات الخشبية تعمل كعوازل طبيعية، وتنصح د. علا هاشم أيضا بتقليل استخدامات الأجهزة الكهربية فى حجرات المعيشة وغرف النوم لتقليل الإحساس بالحر لأنها تبعث الحرارة فى أرجاء المكان .

التخطيط العمرانى مصطلح ربما يتكرر على أسماعنا دون أن نفهم معناه جيدا، رغم أنه يساعد كثيرا فى التعايش مع درجات الحرارة المرتفعة، إذا تم وفقا لمنهج علمى مدروس، وكما تقول الدكتورة هند فروح أستاذة البيئة والتنمية العمرانية المستدامة بالمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء عن أهميته وأهمية كذلك تطبيق معنى المدن والمجتمعات المستدامة، التى تتحقق من خلال وضع وتنفيذ تصميمات تدعم التوازن البيئى وتناسب الواقع المعمارى والعمرانى، ومن ضمنها سلامة وجودة الهواء والحد من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون والتركيز على استخدام الدراجات والنقل الكهربى وضمان سهولة الوصول لوسائل النقل، مع ترشيد استهلاك المياه والطاقة والموارد الطبيعية وتقليل استهلاكها وإعادة تدوير المخلفات، كذلك التخطيط والتصميم المستدام للمبانى والفراغات، بحيث يتم تخطيط الشوارع العامة والساحات والحدائق والساحات الحضرية وتصميم المبانى الخضراء المستدامة مع الحفاظ على التراث الثقافى وهوية المدينة والمجتمع، مشيرة إلى أن مصر بها ٤ أجيال من المدن، وتُعد العاصمة الإدارية الجديدة من أوائل المدن المستدامة الذكية فى مصر من حيث التخطيط والتنفيذ، حيث تم إدماج الطاقة الشمسية بأسطح المبانى، وتضيف: د.فروح أن هناك فرقا بين نظم تقييم المبانى الخضراء وأكواد المبانى الخضراء، حيث إن الأكواد مُلزمة وتضع اشتراطات يجب أن يلتزم بها المُخطط والمُصمم حتى يكون المبنى أخضر، مشيرة إلى أن مصر وضعت 30% من نقاط كود البناء الأخضر لمصلحة تحقيق كفاءة استهلاك المياه والطاقة، لذلك فإن الاستفادة من التصميم المتوافق مع الظروف المحلية المناخية واتباع استرتيجيات التصميم السالب الخاصة بالعزل الحرارى وغلاف المبنى والخصائص الحرارية لمواد البناء المستخدمة مثل التبريد والتدفئة، كذلك استغلال غلاف المبنى فى خلق حدود حرارية جيدة بين البيئة الداخلية والخارجية لمنع تسرب الهواء وعزل الحرارة واختيار واستخدام النوافذ والمسطحات الزجاجية المناسبة، مع الاهتمام برفع جودة البيئة الداخلية من خلال عمل دراسات لتحقيق الإضاءة الطبيعية والصناعية، مع تزويد المبنى بوسائل تهوية يمكن التحكم فيها ورفع كفاءة مضخات المياه واستخدام الطاقات الجديدة والمتجددة، مثل الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء وتسخين المياه وإعداد دراسة تكلفة دورة حياة المبنى والأثر البيئى له.


العودة الى الأخبار