«الله عليك يا مصر» من نجاح إلى نجاح ومن نصر إلى آخر ، تارة نعمر بسواعد أبنائنا وتارة أخرى نوطد العلاقات مع كبريات الدول، وثالثة ننتظر حصاد ما زرعنا، هذه دعوة رب العباد لمصر وأهلها منذ آلاف السنين وحتى يرث الله الأرض ومن عليها «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» وهذه دعوة إلهية سوف تصاحب مصر وأرضها الطهور إلى يوم الموقف العظيم.
شهدنا جميعا عصر أول أمس الأحد الرئيس عبد الفتاح السيسى يستقبل على أرضنا زعماء أوروبا يأتون من كل حدب وصوب يتقربون منا ويتطلعون إلينا، نعم فنحن الكبيرة مصر حاضنة المشرق والمغرب، مهد الحضارة وقلب الشرق الأوسط وبوابته إلى العالم. هؤلاء الزعماء يأنسون بالشراكة مع مصر، ويسعون لتوسيع العمل مع نظامها الحكيم والقوي. لقد شاهدوا بأنفسهم التوترات والانقسامات فى بلاد الشرق وعاشوا بأنفسهم ويلات الحروب والقمع وتنفسوا رائحة الدم هنا وهناك، لكنهم أطلوا برؤوسهم على الخريطة فأبصروا مصر تقف رايتها خفاقة
مرفوعة الهامات تصل إلى عنان السماء فأيقنوا أنها شامخة أبية وستظل إلى يوم يبعثون.
«7.4 مليار يورو »
مساء ذلك اليوم، وقع قادة الاتحاد الأوروبى اتفاقيات بقيمة 7.4 مليار يورو بما يعادل (8.06) مليار دولار، مع مصر على مدى أربعة أعوام فى مجالات مختلفة تشمل قروضا ومساعدات واستثمارات، ويشمل التمويل مساعدات مالية قدرها خمسة مليارات يورو واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو ومنحا قدرها 600 مليون يورو، وسيصرف فى 2024 تمويل طارئ قدره مليار دولار من ضمن المساعدات المالية، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفنى لعدد من مشروعات التعاون، والاتفاق على عقد مؤتمر للاستثمار فى النصف الثانى من العام الحالى للتعريف بفرص الاستثمار فى مصر للشركات الأوروبية.
كما وقّع الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين على وثيقة الإعلان السياسى المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبى لإطلاق مسار ترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، فى حضور الرئيس لكل من أورسولا فون دير لاين رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، والكسندر دى كروو رئيس وزراء بلجيكا الرئيس الحالى للاتحاد الأوروبي، ونيكوس خريستو دوليدس رئيس قبرص، وجورجيا ميلونى رئيسة وزراء إيطاليا، وكرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان، بالإضافة إلى مستشار النمسا كارل نيهمر.
ودعونى أشرح لكم فى البداية معنى وثيقة الإعلان السياسى المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبى لإطلاق مسار ترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ويعنى أن ترتقى العلاقات بالشراكة بين الجانبين إلى إمكانياتها الكاملة لتحقيق المصالح المشتركة السياسية والاقتصادية والأمنية، كما أن تلك الاتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون فى مجالات تشمل الطاقة المتجددة والتجارة والأمن مع تقديم منح وقروض وغيرها من أشكال التمويل على مدى السنوات الأربع المقبلة لدعم الاقتصاد المصري، وتندرج الاتفاقيات فى إطار «شراكة استراتيجية شاملة» بين الاتحاد الأوروبى ومصر، حيث سيتم إدخال مبلغ ٤ مليارات يورو من ذلك التمويل إلى برنامج الإصلاح الاقتصادى الممول من صندوق النقد الدولي.
«مكانة مصر»
والآن أقول لكم لولا الأهمية الكبيرة التى تتمتع بها مصر فى منطقة المتوسط كركيزة للأمن والاستقرار بالإضافة إلى دورها الذى لا غنى عنه لتحقيق السلام ومواجهة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى التقدير الأوروبى الكبير للإمكانات الاقتصادية الكبيرة التى تتمتع بها وما توفره من فرص كثيرة للتعاون الاقتصادى بما يحقق مصالح الجميع، ما كان الأوروبيون أقبلوا على هذه الخطوة الكبيرة والمؤثرة.
أن هذه الشراكة سيكون لها انعكاسات اقتصادية كبيرة لنا، وسوف تسهم فى جذب استثمارات أوروبية ضخمة فى العديد من القطاعات بما فيها الصناعة والطاقة والغاز والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر ومشروعات الربط الكهربائى، مما يسهم فى خلق الكثير من فرص العمل للشباب وفتح أسواق تصديرية كبيرة ورفع مستوى معيشة المواطنين.
مصر بإمكانياتها الطبيعية والبشرية وموقعها الفريد واتفاقيات التجارة الحرة التى وقعتها وما تتمتع به من قرب جغرافى وتكاليف العمالة التنافسية وبنية أساسية متطورة، مؤهلة لتكون بوابة للشركات الأوروبية والشركات العالمية للإنتاج والتصدير للشرق الأوسط وإفريقيا لاسيما مع دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية بين الدول الإفريقية، ومؤهلة لتوطين سلاسل التوريد الخاصة بالشركات الأوروبية خاصة فى منطقة قناة السويس، بالإضافة إلى الإمكانيات الضخمة لمصر فى مجال الطاقة المتجددة بما يمكنها من إنتاج طاقة نظيفة واقتصادية تلبى احتياجاتها واحتياجات السوق الأوروبى.
ومن المؤكد أنه لم يكن من الممكن الارتقاء بالعلاقات المصرية الأوروبية إلى هذا المستوى غير المسبوق لولا النجاحات التى حققتها مصر فى السنوات الـ 10 الأخيرة فى تعزيز دورها الإقليمى والدولى، وما حققته فى مجال التنمية وما قامت به من جهود لبناء دولة جديدة ومضاعفة مساحة المعمور وتطوير شامل للبنية الأساسية، و دعم الدولة للقطاع الخاص، والتحسن فى مناخ الاستثمار، مما جعلها مؤهلة لجذب استثمارات أوروبية وغير أوروبية ضخمة وكان أحد أمثلته هو صفقة رأس الحكمة.
«أكبر شريك تجارى»
ولا يغفل على الجميع أن الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى وأكبر مستثمر فى مصر وأكبر مصدر للسياحة، لكن هناك الكثير والكثير من الفرص لزيادة الاستثمارات الأوروبية، وأدعو الشركات الأوروبية باغتنام الفرصة لزيادة استثماراتها فى مصر فى ضوء الحوافز والضمانات التى توفرها مصر وفى ضوء الضمانات التى ستوفرها المؤسسات الأوروبية لمن يستثمر فى مصر .
كما أصبح باستطاعة كل مستثمر يريد أن يقيم مشروعا فى مصر أن يحصل على الرخصة الذهبية مع حقه فى التمتع بالمزايا والإعفاءات الأخرى للمشروعات التى تقام فى منطقة قناة السويس والصعيد وفى القطاعات الصناعية والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والطاقة المتجددة. إن مصر لديها الأمن والاستقرار والربحية العالية والفرص الكثيرة، والأهم أنها تملك الإرادة السياسية والتصميم لدعم القطاع الخاص وإزالة أى معوقات تواجهه.
ومما لا شك فيه أن حالة الشراكة بين مصر والقارة العجوز باتت تمثل ترجمة واقعية للانطلاقة القوية، التى حققتها الدولة المصرية، نحو تعزيز علاقاتها، مع العديد من القوى الدولية، فى إطار تنويع الشراكات، وهو ما تحقق عبر مسارين رئيسيين، أولهما النجاح الكبير الذى اتسمت به الدبلوماسية المصرية، فى تقديم نفسها باعتبارها قوى إقليمية مؤثرة، يمكنها تحقيق أكبر قدر من الاستقرار الإقليمي، بينما يبقى المسار الآخر، قائما على تحقيق إصلاحات كبيرة فى العديد من المجالات، وفى مقدمتها البعد الاقتصادي، وهو ما بدأ فى المشاريع العملاقة التى دشنتها القاهرة فى السنوات العشر الأخيرة، والتى اتسمت بتنوعها وامتدادها الجغرافى، لتراعى كذلك كل أبعاد التنمية المستدامة، والتى تمثل أولوية قصوى فى أجندة «الجمهورية الجديدة».
«التقارب مع الغرب»
وفى الواقع، تمكنت مصر من اقتحام القارة، تدريجيا، عبر تحقيق تقارب مع دولها، عبر عقد الشراكات، التى تجاوزت «الثنائيات» التقليدية، منها الشراكة الثلاثية، مع اليونان وقبرص، والتى أسفرت عن ميلاد منتدى غاز شرق المتوسط، والذى ضم حوالى 10 دول بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى تعزيز العلاقة مع تجمع «فيشجراد»، والذى يضم دولا محورية فى أوروبا الشرقية، ناهيك إلى تعزيز علاقاتها مع كل من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، وهولندا، عبر شراكات مهمة، ارتبطت فى جزء منها بالطاقة النظيفة، منها على سبيل المثال إطلاق المنتدى العالمى للهيدروجين الأخضر بين مصر وبلجيكا فى 2022، على هامش قمة المناخ التى عقدت فى شرم الشيخ.
والتقارب الأوروبى مع مصر، يمثل فى جانب آخر، أولوية مهمة للقارة العجوز، فى ظل مساع تقودها العديد من دول القارة نحو تعزيز علاقاتها بالعالم الخارجي، فى ظل رغبتها فى تحقيق قدر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، خاصة مع صعود الدور الذى باتت تلعبه القوى الإقليمية المؤثرة فى مختلف مناطق العالم، وقدرتها على تحقيق مشاركة ملموسة فى صناعة القرار الدولي، خاصة مع تصاعد الأزمات فى أوروبا بصورة كبيرة، بعد اقتراب الصراعات من محيطها الجغرافى، على غرار الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى المواقف التى تبنتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، والتى عكست حاجة أوروبا إلى عدم الاعتماد على حليف واحد، وبالتالى التحول نحو تنويع التحالفات بصورة أكبر.
«مسك الختام»
كلمة أخيرة .. إن وطنى جاء ثم جاء التاريخ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ اليونانى هوميروس ينظم ﻣﻠﺤﻤﺘﻪ الإلياذة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻗﺪ أﻣﻀﺖ ﻣﻦ تاريخها أربعين ﻗﺮﻧﺎً ﺗُﻨشئ أدﺑﺎً وﺷﻌﺮاً، بل وعندما كان العالم والخلق أجمع يسكنون الجحور وينامون فى العراء كان أجدادى يسكنون القصور والقلاع والمعابد التى بنيت من الذهب والفضة.
فالأرض الوحيدة التى تجلى الله عليها وتكلم فيها هى مصر، والدولة الوحيدة التى ذكرت فى القرآن صراحة هى مصر والدولة التى اقترن اسمها فى القرآن بالأمن و الأمان هى مصر والدولة التى اقترن اسمها بخزائن الأرض فى القرآن هى مصر، والدولة التى اقترن اسمها وشعبها بمباركة الله فى الإنجيل هى مصر والدولة التى علمت العالم الكتابة و نشأ فى أهلها سيدنا أدريس عليه السلام، أول من خط بالقلم فى التاريخ هى مصر والدولة التى لجأ إليها سيدنا إبراهيم عليه السلام من ظلم أهله هى مصر، والدولة التى لجأ إليها سيدنا يعقوب عليه السلام، وإخوة يوسف من المجاعة هى مصر، والدولة التى لجأت إليها السيدة العذراء ومعها سيدنا عيسى المسيح عليهما السلام هى مصر، والدولة التى لجأ إليها آل بيت سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما تم مطاردتهم وتقتيلهم و نكل بهم فى العراق والشام هى مصر، حتى أن السيدة زينب رضي الله عنها دعت لمصر وشعبها الدعاء الشهير «يا أهل مصر نصرتمونا نصركم الله وآويتمونا آواكم الله وأعنتمونا أعانكم الله وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا» والسيدة هاجر المصرية رضي الله عنها هى من خرج من رحمها سيدنا إسماعيل عليه السلام، أبوالعرب جميعا، والدولة التى أوصى بها وبأهلها خيرا رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هى مصر.
إلى الجميع اعلموا وانتبهوا أنه حين انحنت مصر وظنوا أنها انكسرت كانت فقط تربط بيادتها استعداداً للحرب. عشت يا وطنى وشعبى وأجدادى وأحفادنا مرابطين مناضلين مضحين من أجل أرض مصر وجعل رايتها خفاقة أبية بتاريخها وبعظمتها وشموخها.