خطار ومخاوف وتحديات تحيط بالطاقة التقليدية أو المتجددة وقضاياها فى المنطقة والعالم. هل يتحول الوضع إلى أزمة شديدة تستعصى على الحل؟ أم سيكون للحلول الممكنة وأطروحات الخبراء والمنظمات الدولية دور فى احتواء الموقف والحد من الخطر؟ تشخيص القضية وما يتعلق بأبعادها ضرورة للوصول إلى الموقف المطلوب والتدابير التى سيكون لزاما على الجميع الانصياع لها أو العمل عليها.
أما الحدث فهو «ندوة الأهرام» التى كانت على موعد خاص ولقاء استثنائى مع السيدة ديت جيول يورجنسون، مدير عام إدارة الطاقة بالمفوضية الأوروبية، على هامش زيارتها الأخيرة لمصر. فى اللقاء كانت هناك مشاركة من العيار الثقيل لعدد من خبراء الطاقة ومسئوليها والمهتمين بها. وعلى هامش الندوة وفى ظلالها ترنو صفحات ثرية بثمار التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي، وما يربطهما من علاقة وثيقة وشراكة قوية تصب فى صالح الطرفين فى ذلك المجال المهم. اللقاء والندوة جاءا وسط تداعيات لمخاوف متزايدة، ليس فقط فى الشرق الأوسط، لكن أيضا فى كل أنحاء العالم؛ جراء الصراعات القائمة والتى تهدد امن الطاقة ووسائل وسبل وصول إمداداتها.
تناولت الندوة التى نظمتها «وحدة خدمات الطاقة» بجريدة الأهرام بالتعاون مع وحدة الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وافتتحها الكاتب الصحفى علاء ثابت رئيس تحرير الأهرام العديد من القضايا والموضوعات والأطروحات الخاصة بالوضع الحالى لقضايا الطاقة ومستقبلها على المدى القريب والبعيد أيضا.
وبدأت الندوة بطرح العديد من الأسئلة خاصة ما يتعلق بأزمة الطاقة فى دول الاتحاد الأوروبي، وكيف تم التعامل معها بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، والاستراتيجية التى اتبعها الاتحاد لمواجهة هذه الازمة، وتداعيات الحرب فى غزة على أسواق الطاقة. وطبيعة الممولين لمشروعات الطاقة البديلة وما الذى يتوقعه الاتحاد الأوروبى من مصر فى إطار مذكرات التفاهم التى تم توقيعها منذ 2018.
وهنا قالت السيدة يورجنسون: «الاتحاد الأوروبى كان يعتمد على روسيا فى حصوله على نحو 45% من احتياجاته من الطاقة، لكن التجربة العملية اثبتت ان مثل هذا الاعتماد الكبير على مصدر واحد للطاقة اثبت انه مشكلة كبيرة خاصة عندما أعلنت موسكو وقف امداداتها من الغاز الطبيعى لدول الاتحاد الأوروبى بسبب الحرب على اوكرانيا.» وأشارت الى ان الحرب الروسية- الأوكرانية كان لها آثر كبير ليس فقط على دول الاتحاد الأوروبى لكن أيضا على العالم بأسره، وتابعت: «الكثير من دول العالم تأثرت بسبب تعثر وصول شحنات القمح من أوكرانيا مثلا الى العديد من دول العالم بسبب هذه الحرب وهو ما أدى الى ارتفاع أسعار الغذاء فى العالم بأسره وبالتالى زيادة معدلات التضخم فى معظم الدول.
لكن الوضع- حسب قولها- كان أكثر سوءا عندما قررت روسيا استخدام الغاز كسلاح ضد أوروبا فى هذه الحرب وهو ما أدى الى وقف الامدادات الروسية من الغاز الطبيعى وتدمير خطوط الامداد وهو ما أدى الى اختفاء الغاز من الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار فى هذه الفترة. ومنذ عام 2022، كان لابد لدول الاتحاد الأوروبى ان تضع استراتيجية قوية لمواجهة هذه الازمة.
وقالت يورجنسون: كان طبيعيا ان تقوم الاستراتيجية الأوروبية على ثلاثة محاور تبدأ بأساس تحديد الاستهلاك المحلى ومعرفة طبيعة السوق فى الدول الأوروبية. وهذا طبيعى حيث يمكن تحديد حجم الازمة فى كل دولة وحجم الاحتياجات وكذلك المخزون، اما الخطوة الثانية فى هذه الاستراتيجية فكانت ضرورة خفض الاستهلاك خاصة مع تفاقم الازمة فى بعض الدول التى لم تستطع الوصول لأسواق بديلة، ثم يتبع ذلك البحث عن الاسواق التى يمكن من خلال التعاون معها تشكيل اسواق بديلة».
وقطعت أن الاعتماد الكبير على روسيا كان السبب فى ان بعض دول أوروبا لم تستطع الوصول الى أسواق خارجية وهو ما استدعى العمل على نظام دقيق لترشيد الاستهلاك.
علاقات قوية وتفاهمات مشتركة
بطرح أن الاتحاد الأوروبى لم يسع فقط لتأمين موارده من الطاقة التقليدية مثل الغاز الطبيعى بل أيضا من الطاقات المتجددة. جاءت كلمات يورجنسون لتؤكد أهمية تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبى ودول العالم فى هذا المجال، وهنا ذكرت أن مصر على سبيل المثال وأن لديها إمكانات كبيرة خاصة تلك المولدة من طاقة الرياح وهو ما استدعى بناء علاقات قوية وتوقيع مذكرة تفاهم فى هذا الشأن.
وقالت ان هذه الزيارة تستهدف فى المقام الأول العمل على انفاذ هذه التفاهمات ومعرفة أفضل الطرق للاستفادة من انتاج هذه الطاقة لكلا الجانبين. خصوصا وأن لدى مصر الكثير من موارد الطاقة المتجددة وهو ما يعنى ضرورة العمل المشترك وتفعيله وبناء علاقات قوية فى هذا المجال. وأن زيارتها استهدفت أيضا تفعيل مذكرة التفاهم التى تم توقيعها فى 2018.
والعلاقة بين الاتحاد الأوروبى ومصر تعد من العلاقات الأكثر قوة. لذا ـ والكلام ليورجنسون ــ فإننا نعمل عى تحفيز الشركات الأوروبية للعمل والاستثمار فى مصر خاصة فى مجالات الغاز المسال والكهرباء. ونسعى أيضا للشراكة فى مجال الهيدروجين الأخضر. وقد كان لنجاح الشراكة بين مصر واليونان فيما يتعلق بالطاقة العابرة للحدود تداعيات إيجابية فى سوق الطاقة وهو ما يستدعى تقوية وزيادة الاستثمارات فى هذا المجال بين مصر والاتحاد الاوروبي.» لكنها اضافت ان دول الاتحاد الأوروبى مازالت تعطى أهمية كبيرة للغاز الطبيعى وهو ما استدعى وجود العديد من المشاريع فى مصر.
وفى توضيح لما يتعلق بممولى هذه المرحلة من التحول الى الطاقة النظيفة. ذكرت يورجنسون ان القطاع الخاص ممثلا فى الشركات الأوروبية العملاقة هى المستثمر الأكبر فى هذا المجال، وان الاتحاد الأوروبى يسعى دائما لتذليل العقبات امام هذه الشركات وتخفيض سقف المخاطر والتأكد من وجود أسواق وطلب متزايد على الطاقة البديلة وهو ما يحفز المستثمرين على العمل والاستثمار خاصة وان رأس المال المطلوب لهذه المشروعات يختلف من مكان لآخر.
وهنا كان الحديث عن قراءة بعض ملامح المستقبل
فأشارت الى ان المستقبل يحمل الكثير من هذه المشروعات خاصة فى هذا المجال. وقالت «معظم الشركات العاملة فى مثل هذه المشروعات هى من القطاع الخاص وهو الأكثر تنافسية فى سوق الطاقة ويقدم جيلا جديدا من المتعاملين فى أسواق الطاقة من اجل العمل على تحقيق عائد عادل لطرفى المعادلة. لكن المؤكد ان الجميع يعمل الان فى اتجاه الطاقة النظيفة خاصة وان معظم استثمارات الاتحاد الأوروبى وعلى الرغم من محدوديتها الا انها ستكون للمشروعات طويلة الأجل وهو ما يزيد من الثقة فى أسواق الطاقة ويدعم القطاع الخاص فى مشاريعه لأنه سيعرف ان لهذه الطاقة النظيفة اسواقا كبيرة تؤمن له معدلات معقوله من الربح وكذلك تسويق هذه الطاقة.»
وأشارت يورجنسون الى ان مؤتمرى المناخ اللذين عقدا فى مصر والامارات 27 و28، اكدا أهمية الانتقال الى مصادر الطاقة المتجددة واهمية بناء البنية التحتية التى ستستقبل هذه الموارد الجديدة من الطاقة خاصة فى دول الجنوب لان هذا سوف يحارب الانبعاثات الحرارية التى تؤدى الى تلوث البيئة. وفى هذا السياق اشارت الى ان الطاقة المتجددة والنظيفة هى جزء لا يتجزأ من الأهداف التى نوقشت فى مؤتمر الطاقة السابع والعشرين الذى عقد فى مصر وكذلك الثامن والعشرون فى الامارات. «لابد ان نهتم بخفض معدلات التلوث والتى تسببت فى الكثير من المشاكل الصحية والبيئية. ان خفض معدلات استهلاك الطاقة التقليدية والتوجه للهيدروجين الأخضر مثلا، سيساعد فى تقليل حجم المخاطر بالنسبة للشركات التى ستستثمر فى هذه المشروعات العملاقة ويؤكد للجميع ان هناك طلبا على هذه النوعية من الطاقة وسوقا تتسع يوما بعد يوم.» وأضافت ان التعاون المشترك بين دول الشمال والجنوب عبر الحوار المتبادل لاحتياجات كل طرف سيساهم فى خلق الحوافز للشركات وتقليل حجم المخاطر خاصة مع وجود القوانين التى تسهل الاستثمار فى هذا النوع من الطاقة.