يحتفل العالم باليوم العالمى للطيور المهاجرة مرتين كل عام؛ الأولى فى شهر مايو مع عودة طيور الشمال فى الربيع لموطنها وهجرة طيور الجنوب، والمرة الثانية فى شهر اكتوبر، وهى هجرة طيور الشمال وعودة طيور الجنوب فى بدايات الخريف، ومصر تلعب دورا حيويا فى هذه الهجرات حيث تُعد جسرا بريا يربط آسيا واوروبا مع افريقيا فتهاجر إليها ملايين الطيور باعتبارها المعبر اليابس الوحيد القارات، فهى مشتى دولى للطيور المائية والتى يصل عددها لنحو 500 نوع كما يوجد بها نحو 34 موقع جذب للطيور تتمثل فى الجزر البحرية مثل البحيرات الشمالية، وبحيرة الملاحة ببورفؤاد، وبحيرة قارون، وجزر الزبرجد وكولون بالبحر الأحمر، وصحراء القصر بالصحراء الغربية، وجبل «علبة» وسانت كاترين ورأس محمد ووادى الريان ووادى الجمال والعين السخنة ووادى النطرون وجبل مغارة، هذا بجانب الأراضى الرطبة والجبال العالية الارتفاع ووديان الصحراء والمسطحات الشاطئية.
وتلخيصاً للدور الوطنى فى حماية الطيور المهاجرة والسياسات المتبعة أوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أن مصر أعطت اهتماماً كبيراً لهجرة الطيور وتضمنت فى تشريعاتها الوطنية العديد من النصوص الخاصة بحماية الطيور وموائلها بواسطة عدد من الأنشطة تهدف لتنظيم عمليات صيد الطيور فى مصر ومنها برنامج «الصيد المسئول والمستدام» والذى تم من خلاله تنفيذ مشروع تنظيم الصيد المستدام بالساحل الشمالى متضمناً حزمة من الضوابط والاشتراطات الضرورية لتنظيم أعمال الصيد بجانب رفع الوعى البيئى لدى الجهات الحكومية المعنية وبمشاركة بعض منظمات المجتمع المدنى والسكان المحليين من أجل الحد من الصيد الجائر والتوجه لتشجيع سياحة مُشاهدة الطيور والترويج لذلك بدلا من اصطيادها؛ ويُعد الاحتفال باليوم العالمى لهجرة الطيور بمثابة حملة توعية لإلقاء الضوء على ضرورة الحفاظ على الطيور المهاجرة وموائلها، وأن شعار الاحتفال هذا العام “احم الحشرات تحم الطيور” وهو يتوافق مع سياسة مصر فى اختيار الحلول المعتمدة على الطبيعة كإحدى السبل لصون التنوع البيولوجى والتصدى لآثار تغير المناخ، وذلك باعتبار أن للحشرات دورا هاما فى تغذية الطيور خاصة فى فترات الهجرة والتكاثر، كما تُسهم الطيور- من ناحية أخرى - بدور فعال فى القضاء على الحشرات فتلعب بذلك دورا مهما فى تحقيق التوازن البيئى وحماية الزراعات.
ولفتت الوزيرة ياسمين فؤاد إلى السعى لدمج صون الطيور ضمن برامج الطاقة النظيفة، وكذلك فى برامج السياحة حيث تم تهيئة ومعالجة برك الأكسدة الطبيعية بشرم الشيخ وهى مناطق تقع فى مسار الهجرة، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل المرشدين السياحيين بالتعاون مع وزارة السياحة لإدراج سياحة مُشاهدة الطيور ضمن برامجها.
التغيرات المناخية
تلك الطيور التى تقودها فطرتها للهجرة بحثا عن ظروف مناخية أفضل .. كيف يمكن للتغيرات المناخية أن تؤثر عليها؟ وهل تم الاستعداد لذلك ؟
الدكتور أسامة الجبالى مدير برنامج صون الطيور الحوامة بوزارة البيئة يجيبنا بالإثبات، مؤكدا أنه بالفعل للتغيرات المناخية تأثير كبير على منظومة هجرة الطيور لأن حدوث ارتفاع فى درجات الحرارة – بخلاف المعتاد - يُغير من مواعيد عودة الطيور، خاصة أن منها ما يقوم بالطيران لمسافات طويلة دون توقف مثل الطيور المائية ومنها ما يعتمد على التيارات الحرارية فتقوم بعمليات «انزلاق جوي» وعدم تحريك أجنحتها لتقليل شعورها بالإرهاق وتخفيف وطأة المسافة.
كما يسبب اضطرابا فى مواعيد تبويض الحشرات التى تتغذى عليها الطيور، وبالتالى يحدث خلل فى المنظومة، وقد يؤدى تبكير أو تأخير الهجرة للتأثير على صحة النظام البيئى.
ويشير ــ من ناحية أخرى ــ لتأثير عدد من المشروعات، منها: ما تم إنجازه بالتعاون بين جهاز شئون البيئة مع الجانب اليابانى بتحضير مادة تحتوى على بكتيريا نافعة يتم إضافتها لمياه البحيرات، وتم تنفيذها فيما يعرف بـ «بحيرات الأكسدة» بشرم الشيخ والتى تُعد مقرا للطيور المهاجرة، وهى تقنية معالجة بيولوجية تُحسن من جودة المياه وتقلل من تأثير العناصر الثقيلة بمياه البحيرات، كذلك يُعد مشروعا لتنظيم عمليات الصيد فى المناطق المحيطة ببحيرتى ناصر والبرلس والتى نظمتها الوزارة بالتعاون مع بعض جمعيات المجتمع المدني، وبدعم من المجتمع المحلى لاستبدال ثقافة صيد الطيور بسياحة مشاهدة الطيور، بحيث يتم خلق مصدر رزق للقائمين على عمليات الصيد بهذا النشاط من السياحة البيئية،
الضوء الصناعى
فى 2024 صدر تقرير عن الأمم المتحدة تحذر فيه من تعرض 40% من الطيور المهاجرة لخطر الانقراض فضلا عن تهديدات التلوث، وفقدان الموائل، وتغير المناخ، كما أشارت تقارير أخرى إلى مسئولية التلوث الضوئى عن موت أعداد كبيرة من الطيور، وفى تعليق للدكتور عبدالفادى بشارة استاذ الفيزياء الفلكية بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، قال: يهتم علم الفلك البيولوجى بدراسة الظواهر الفلكية وتأثيراتها البيولوجية على الإنسان والكائنات الحية، ولذلك فقد أشارت العديد من تلك الدراسات إلى تعرض كثير من الطيور المهاجرة خاصة التى تُهاجر ليلاً مثل طائر الدخلة السوداء وطائر الذيل الآسيوى والزقزاق الشرقى وهى تطير فى مناطق ذات مستويات منخفضة نسبياً إلى كثافة عالية من الضوء الاصطناعى فى الليل على أنه فترة أطول من ضوء النهار مما يجعلها تنتظر قدوم الليل وتظل تدور حول نفسها إلى ما لا نهاية مما يؤدى لاستنفاد مخزون الطاقة المطلوبة للهجرة، فتتعرض لخطر الإرهاق والافتراس أو الاصطدام المميت بالمباني، كذلك يمكن أن يسبب الضوء الاصطناعى أن تبدأ الطيور فى اتخاذ هجرتها فى توقيت مبكر وقد تكون الظروف والموارد البيئية غير متاحة بما يؤدى لفقد كثير من الطيور حياتها.
هواية عالمية
سياحة مشاهدة الطيور فى أمريكا تحقق دخلا سنويا يقدر بـ ٤١ مليار دولار كما تخلق اكثر من ٦٥٠ الف وظيفة، وفى كندا يصل عائدها السنوى إلي٢٥٠ مليون دولار، وفى تركيا ١٠٤ ملايين دولار.. هذا ما جاء بدراسة حديثة لمجلة «نيتشر» البريطانية، إحدى أهم الدوريات العلمية بالعالم، فماذا عن مصر؟
واتر البحرى مسئول برنامج حماية الطبيعة بالجمعية المصرية لحماية الطبيعة يؤكد أن مشاهدة حركة الطيور وهجرتها تعتبر سياحة تدر دخلا وتخلق أيضا فرص عمل للسكان المحليين، موضحا أن أغلب هذه المكاسب تتحقق بتنشيط وظائف وقطاعات متعلقة بالسياحة مثل التسوق والفندقة والانتقالات والمزارات، إلا أنه يؤكد مع ذلك غياب الأرقام الدقيقة لهذا النوع من السياحة لدينا، موضحا أنه كان هناك ثلاث شركات بمصر تعمل فى مجال مشاهدة الطيور، لكنها توقفت منذ فترة «كورونا».
ويضيف: يشترك الملايين فى دول العالم فى حبهم لممارسة تلك الهواية العالمية، ومصر لا تقل تميزا أو تفردا فى هذا المجال، إذ تمتلك ثانى أهم مسارات هجرة الطيور على مستوى العالم، ويوضح أن مصر لها 4 مسارات للطيور المهاجرة، وهى تأتى من منطقة القوقاز وتتجه إلى الشام ثم مصر ومنها إلى شرق افريقيا ويكون ذلك من العريش إلى قناة السويس ثم الدلتا، ومنها الطيور الحوامة مثل اللقلق الأبيض والأسود والبجع الأبيض وأبومنجل أوروجوانى والطيور الجارحة مثل النسر المصرى وعقاب السهول وصقر الغروب وكلهما مهددة بالانقراض بجانب صقر الشاهين، والطيور المائية التى تعيش فى البحيرات مثل بط الشرشير وبط بلبول والمائية البحرية مثل النورس الأبيض والطيور الخواضة مثل الفلامنجو ودريجا وتايوتى المعتاد، والطيور الشجرية مثل السمان والوروار الأوروبى الذى يقدم من اوروبا مع بدايات أغسطس ويصل مصر فى سبتمبر أو اكتوبر ويأخذ حذو نهر النيل والصحراء الكبرى حتى يصل إلى تنزانيا وكينيا ورواندا، ومع بدء قدوم ابريل ومايو يبدأ فى العودة وهى فترة يُمنع فيها صيده حيث تتكاثر أسرابه فى مناطق الساحل الشمالى وتعود إلى اوروبا وفى بطنها البيض المخصب الذى تضعه فى اوروبا فى الصيف.
كما تأتى الطيور من وسط اوروبا وتنزل فى الضبعة ومنخفض القطارة والواحات البحرية وسيوة بالصحراء الغربية ثم تتجه إلى افريقيا حيث قبلتها مالى وتشاد، وهذا المسار يضم الطيور الشجرية والمائية.
ووفق كلام واتر البحرى تتعدد أدوار الطيور المهاجرة فى الحفاظ على البيئة حيث إنها تقوم بالمكافحة البيولوجية للزواحف، فنجد أن طائر عقاب الثعابين يتغذى على بعض الزواحف مثل السحالى والورل الرملى والضب ويكون دوره فى فترة الخريف حينما تنشط بعض الزواحف مثل ثعابين الطريشة السامة وتخرج جائعة من سباتها الشتوى، لذلك يقوم هذا النوع من طائر العقاب بمنع وصولها للمدن ومنطقة نهر النيل فهو يقلل من أعدادها، كذلك نجد طائر «اللقلق الأبيض» فى عودته من شرق افريقيا فى أثناء الربيع بمحاذاة النيل، إذ تتزامن مع عودته هجرة الجراد الإفريقى فيقوم اللقلق بالتغذية عليه عند قدومه من كينيا وتنزانيا وتشاد والسودان قبل وصوله لمصر.
ويضيف : كذلك العصفور الأصفر المعروف بطائر «السكسكة» وحجمه لا يتعدى 10 سنتيمترات وهو يقدم إلى مصر بأعداد تصل للملايين وله دور مهم فى حماية الأراضى الزراعية من الآفات فهو يتغذى على كميات كبيرة منها بما يُساعد فى عدم استخدام الرش الكيماوى للزراعات والحفاظ على الأمن الاقتصادى.
وينبه للمخاطر التى تُهدد الطيور الحوامة مثل اللقلق الأبيض الذى يواجه خطر الصيد والتكهرب من كابلات الضغط العالى للكهرباء، كذلك تتعرض الطيور الشجرية مثل السمان لعمليات الصيد فى مناطق ساحل البحر المتوسط، لذلك وضعت شروط لاصطياده .