بداية الرحلة مطلع القرن العشرين، عندما كانت مصر تتمتع بمناخ معتدل، مع فصول أربعة يميزها 'صيف حار جاف، وشتاء بارد ممطر'، لكن مع مرور العقود، بدأت درجات الحرارة ترتفع بشكل ملحوظ، وازدادت فترات حدوث الظواهر الجوية.
قبل الجولة، فإنه منذ فجر الحضارة المصرية القديمة، اهتم الفراعنة بمعرفة أسرار الطقس وتقلباته، ونقشوا على جدران المعابد رسومات توضح حركة النجوم والكواكب، واستخدموا أدوات بسيطة مثل المسلات الشمسية لقياس الوقت وتحديد اتجاهات الرياح.. ومع مرور الزمن، تطورت أدوات رصد الطقس، وانتشرت محطات قياس الأمطار ودرجات الحرارة فى مختلف أنحاء مصر، فظهرت الحاجة إلى تأسيس هيئة متخصصة لتنظيم هذه العمليات وتقديم توقعات دقيقة للطقس.. وعام 1898، أُنشئت «المصلحة المصرية للرصد الجوي» كأول هيئة رسمية مختصة ب الأرصاد الجوية فى مصر، وفى عام 1829م ، بدأت مصر فى عهد محمد على باشا، تطبيق قياس درجات الحرارة خلال ٥ مرات يومياً تتزامن مع أوقات الصلوات الخمس ، داخل غرفة بحرية بمدرسة «المهندسخانة» بمنطقة بولاق.
وفى 1915، عهد الملك فؤاد الأول ، أصبحت مصلحة الطبيعيات المسؤولة عن خدمات الأرصاد الجوية، أما فى 28 أبريل 1952، تم إنشاء مصلحة الأرصاد الجوية تتبعها ثلاثة مراكز متخصصة للتنبؤات ، وهى : 'المركز الرئيسى بمبنى الهيئة بالقاهرة ، ومطار القاهرة الدولى ، ومطار ألماظة'.. تولت هذه المهنة جمع البيانات وتحليلها وتقديم توقعات الطقس للمزارعين والبحارة والسياح، ممّا ساهم فى تحسين الأمن الغذائى والسلامة البحرية وتطوير قطاع السياحة.
ومع بداية القرن العشرين، شهدت الهيئة نقلة نوعية مع دخول التكنولوجيا الحديثة إلى مجال الأرصاد الجوية، فتمّ استيراد أجهزة قياس متطورة، وأُنشئت محطات رصد جديدة فى مختلف أنحاء البلاد.. وفى عام 1971، تمّ تغيير اسم الهيئة إلى «الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية» لتواكب التطورات العلمية والتكنولوجية فى هذا المجال.
بداية الجولة
بداية جولة 'الأخبار'، بمبنى الهيئة العامة للأرصاد الجوية اطلعت على نماذج لخرائط ورصدات تم تسجيلها على مر العصور من سجلات مرصدخانة بالعباسية وهى أول محطة أنشئت فى القاهرة سنة ١٨٧٣ م وكان يتم رصد الطقس فى ٧ توقيتات فقط، اوقات الفجر والشروق والزوال والعصر والمغرب والعشاء ومنتصف الليل، وكان يتم تسجيل درجات الحرارة والرياح واتجاهاتها وحالة السحب والمطر وكانت الكتابة بخط اليد.. ثم إطلعنا على مجلدات تحوى تقارير الطقس فى مصر والسودان (قبل الانفصال) عندما كنا مملكة واحدة، وتم إضافة خرائط للطقس لمالطا وكريستى فى إيطاليا وأثينا فى اليونان وبيروت فى لبنان.. ولوحظ وجود مجلدات مطبوعة، وليست بخط اليد، كانت وقت الاحتلال الإنجليزى تحولت كتابة التقارير من شكل يدوى كامل إلى تقارير مطبوعة.. واطلعنا على خرائط ترصد تقارير الطقس عام ١٩٠٣حتى ١٩٤٧ ولكنها توسعت بشكل أكبر حيث ضمت مصر والسودان حتى الهضبة الأثيوبية وكان الهيئة اسمها مصلحة الطبيعيات.
ظواهر جوية
وأكد د. محمود شاهين، مدير مركز التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، أن أبرز الظواهر الجوية التى حدثت فى طقس مصر وأكثرها حدة وأثرت على الحياة اليومية، هى تعرض مصر لسيول وعواصف ترابية عام 1994 وهى من أكبر الكوارث الطبيعية، التى تعرضت لها البلاد، وأدت لتدمير كامل بقرية «درنكة» بمحافظة أسيوط.
وأشار إلى أنه يأتى بعدها سيول 2010 التى أثرت على سيناء والبحر الأحمر وأدت لانقطاع الطرق ووفاة 15 شخصًا واجلاء 3500 آخرين وتدمير العديد من المنازل، وبعدها حالة 12 مارس 2020 التى تعرضت لها مصر لكميات أمطار غير مسبوقة على العديد من مناطق الجمهورية ومنها القاهرة والساحل الشمالى وسيناء.. وأضاف أنه فى عام 2015 تعرضت الإسكندرية لكميات هائلة من الأمطار وأدت لغرق الشوراع وتوقف الحياه اليومية فى بعض المناطق.
وكشف أن الفصول برودة ، وفقا للسجلات المناخية ، فكان شتاء 2013 وتحديدًا فى 13 ديسمبر 2013 شهدت مصر واحدة من أكثر الموجات الباردة وسميت بعاصفة «اليكسا» وأثرت على دول الشرق الأوسط وسحلت درجات الحرارة العظمى فى القاهرة 8 درجات والصغرى 4 درجات مئوية.
وأوضح أن أكثر السنوات حرارة 2015، حيث تعرضت دول شرق وجنوب أوروبا ودول حوض البحر المتوسط لأكثر الموجات الحارة واستمرت الموجة الحارة أسابيع متتالية وتم تسجيل أرقام قياسية خلال هذه الموجة الحارة بجميع دول المنطقة.. وبين أن أكثر الأعوام التى تعرضت مصر للعواصف الترابية هى عاصفة مايو 1997، والتى أدت لظلام تام فترة الظهيرة ووصلت أقصى سرعة الرياح إلى 56 عقدة أى ما يعادل 112 كم/ساعة.. ثم توالت عواصف ترابية عنيفة أعوام 2005، 2007،2015، 2017 وآخر العواصف حده كان فى 1 يونيو 2023.
وقالت د. إيمان جابر حمرة، باحث أول بالإدارة المركزية للبحوث بالهيئة العامه للأرصاد الجوية، أنه في الفترة ما بين عام ١٩٣٠ حتى ١٩٦٠ حدثت عدة موجات شديدة البرودة في فصل الشتاء وأخرى شديدة الحرارة في فصل الصيف حيث سجلت مصر حينها أرقام كبيرة لدرجات الحرارة أعلى من المعدلات الطبيعية في ذلك الوقت.. وأكدت أنه في عام ١٩٨٨ كان هناك موجات شديدة الحرارة وأخرى شديدة البرودة موضحة انه حدثت ٦ موجات شديدة الحرارة في فصل الربيع والصيف، وأطول موجة استمرت لمدة ٨ أيام سجلت به القاهرة الكبرى ٤٥ درجة في الظل وفقا لما سجله الترمومتر، في حين وصلت درجة الحرارة المحسوسة حينها لـ ٥٢ درجة بسبب ارتفاع نسب الرطوبة وهدوء تام لسرعات الرياح..
وأوضحت أنه في نفس العام بفصل الشتاء حدثت ٤ موجات شديدة البرودة، كانت قد سجلت درجات الحرارة الصغرى في القاهرة ٣ درجات مئوية في إحدى هذه الموجات وفقا لما سجله الترمومتر، وكانت هناك كتلة جافة كبيرة جدا طبقت المثال الدارج «طوبة بيخلي الصبية كركوبة»، من شدة البرودة التي شعر بها المصريين في ذلك الوقت ويعتبر درجة الحرارة المحسوسة كما لو كانت تحت الصفر.
أما بالنسبة للتغيرات المناخية، فقال شاهين، إنه من المعروف أن مناخ مصر كان وصفه كما اعتدنا 'حار جاف صيفًا دافئ ممطر شتاء'، ولكن مع التقلبات الجوية المتكررة والعواصف الحادة التى بدأت تشهدها البلاد وخاصة اخر عشر سنوات، كان لابد من دراسة الخريطة المناخية لمصر وعمل الأبحاث والسيناريوهات المختلفة للتغيرات المناخية التى قد تطرأ على طقس ومناخ مصر.
ونوه أنه تم تشكيل لجنة لدراسة مناخ مصر خلال ١٠٠ عام وسيتم تحديد التغيرات المناخية التى حدثت فى مصر وهل ستتسبب بتغير وصف مناخ مصر أم لا.. وكشف أن هناك بعض المناطق سيكون بها جفاف كبير وخصوصًا المناطق الصحراوية، ونسبة معدلات سقوط الأمطار ستزيد على بعض الأماكن وسيكون بها زيادة لكميات الأمطار ومنها السواحل الشمالية والدلتا، وعدد تكرار العواصف الترابية سيزيد، أما السيناريو المتفائل 4.5 ويقول إن ارتفاع درجات الحرارة المتوقع سيكون أعلى من المعدل بدرجة إلى درجتين وهذا سيكون فى الحدود المسموح .