خلال الصيف الأخير شديد السخونة، سجلت درجات الحرارة ارتفاعا تجاوز حد ما يعرف بـ«درجة حرارة المصباح الرطب» وهو الحد النظرى لبقاء الإنسان على قيد الحياة. بمعنى أنه إذا تعرض الإنسان لحرارة تتجاوز ذلك الحد لمدة ست ساعات، يعجز جسمه عن تبريد نفسه وبالتالى يصبح أكثر عرضة للإصابة بأمراض متعلقة بالحرارة وربما الموت.
وتقاس درجة حرارة المصباح الرطب باستخدام مقياس حرارة به فتيلة مبللة ملفوفة حول مصباح، وعادة ما تكون هذه الفتيلة مصنوعة من القماش القطنى وتشبع بالماء وتعرض للهواء. ويسجل مقياس الحرارة درجة حرارة الهواء أثناء تبخر الماء من الفتيلة فيما يشبه تعرق الجلد. ويبلغ الحد النظرى لبقاء الإنسان على قيد الحياة عند 35 درجة مئوية مع رطوبة بنسبة 100 فى المائة أو 46 درجة مئوية مع نسبة رطوبة 50 فى المائة.
وبالإضافة إلى ما يشكله ارتفاع حرارة الجو من خطر على صحة الإنسان فى الشرق الأوسط وإفريقيا، فإنه قد يؤدى أيضا إلى زعزعة الاستقرار السياسى فى المنطقة. ويوضح ستيفن إيه كوك، المتخصص فى الدراسات الشرق أوسطية والإفريقية وأحد كتاب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن البشر عادة ما يواجهون صعوبة بالغة فى التأقلم مع ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه ولذا يضطرون إلى الهجرة إلى مناطق أقل سخونة وتتمتع بوفرة فى المياه.
ووفقا لتقديرات البنك الدولي، سوف تتسبب التغيرات والتقلبات المناخية فى تشريد 19 مليون شخص (أى ما يعادل 9% من السكان) فى شمال إفريقيا بحلول 2050 ومن المنتظر أن تكون القارة الأوروبية الوجهة المبتغاة.
وهنا يجدر الانتباه إلى عدة أمور، أولها، أن البنك يقدم مجرد استقراء، فقد تطرأ تغييرات سياسية أو اقتصادية أو تكنولوجية تحد من أعداد المشردين والمضطرين للهجرة. وثانيها ليس كل من سيضطر للهجرة سيكون مدفوعا بالتقلبات المناخية. كما سيبقى بعض هؤلاء المشردين داخل المنطقة نتيجة عدم توافر الموارد اللازمة لعبور البحر المتوسط. ومع بقائهم داخل المنطقة، سيخلقون أزمات أخرى تتعلق باستقرارهم فى المناطق الحضرية وبالتالى فرض مزيد من الضغوط على الميزانيات المحلية والبنية التحتية فى دول تعانى بالفعل من محدودية الموارد.
وتشير تقديرات البنك الدولى إلى أنه بحلول عام 2050 ستؤدى ندرة المياه فى المنطقة إلى انخفاض فى إجمالى الدخل القومى بنسبة تصل إلى 14 فى المائة.
وتحذر كريستينا بوري، الباحثة فى مجلس العلاقات الخارجية، من أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد مشكلة ندرة المياه تفاقما فى منطقة الشرق الأوسط. وترى بورى أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها الكثير لتقدمه فيما يتعلق بأزمات المناخ وخاصة ندرة المياه. فباستخدام خبراتها الإدارية والتقنية فى إدارة الموارد فى الغرب الأمريكى ذى درجات الحرارة العالية، يمكن للحكومة الأمريكية أن تلعب دورا مؤثرا فى مساعدة دول الشرق الأوسط فى إدارة ملف ندرة المياه بالمنطقة.
ورغم أن الصراعات المتعددة بالمنطقة قد تجعل المساعدة صعبة خاصة وأن موارد المياه مشتركة وعابرة للحدود، إلا أنه تحد يمكن التغلب عليه. وتشير الباحثة إلى أنه بجانب الحلول التقنية لندرة المياه، هناك أيضا المحفزات السياسية القادرة على التوصل إلى اتفاقيات عابرة لمناطق النزاع.
ويمكن هنا الاستشهاد باتفاق الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان للدلالة على موقف المسئولين الأمريكيين من مسألة مشاركة المياه فى المنطقة. نعم كانت هناك انتقادات كثيرة للاتفاق داخل الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان، ولكن الأهمية الحقيقية تكمن فى كيفية نجاح الدبلوماسية الأمريكية فى التوصل للاتفاق، حيث فصلوا مخاوف لبنان تجاه إسرائيل ومخاوف إسرائيل تجاه لبنان وركزوا على مصلحة كل دولة. وما ان اتضحت ضرورة استغلال ودائع الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية واللبنانية، أصبح من الصعب على الدولتين عدم الاتفاق على الحدود رغم كونهما فى حالة حرب. وتضيف بورى أنه من المغرى أن يتم السعى لوضع استراتيجيات بيئية أوسع نطاقا للتصدى لمشكلة ندرة المياه فى الشرق الأوسط ولكن هذا تحديدا ما يجب ألا تفعله الولايات المتحدة وأن تكتفى بصب جام تركيزها على القضايا التى يمكنها بحق إحداث فرق فيها