انطلقت أمس قمة مجموعة العشرين فى مدينة «ريو دى جانيرو» البرازيلية، بمشاركة زعماء أكبر 20 اقتصادا فى العالم، إضافة إلى الاتحادين الإفريقى والأوروبى، وسط آمال ونظرة تفاؤلية حول التوصل إلى تسوية حول أزمة المناخ وكسر الجمود بشأن تمويلها فى مؤتمر الأمم المتحدة «كوب 29» بأذربيجان، فى ظل ضغوط شديدة وخلافات كبيرة فى وجهات النظر حول أوكرانيا والنزاعات فى الشرق الأوسط، فى الوقت الذى ألقت فيه عودة الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بظلالها على جدول الأعمال.
وأعلن إيناسيو لولا داسيلفا الرئيس البرازيلى، فى كلمته خلال افتتاح القمة، تأسيس التحالف العالمى لمكافحة الفقر والجوع حول العالم.
وقال «أطلقنا فى مجموعة العشرين تحالفا لمكافحة الجوع والفقر يضم 81 دولة و26 منظمة دولية و9 مؤسسات مالية».
وأضاف أن «التحالف سيكون أعظم إرث لنا»، معتبرا أن الجوع والفقر هما نتيجة لقرارات سياسية. وتعقد القمة تحت شعار «مكافحة الجوع والفقر وانعدام المساواة»، كما يتزامن انعقادها مع قمة مجموعة «أبيك» التى تنظم فى «ليما» عاصمة «بيرو».
وتهدف البرازيل من خلال هذه المبادرة إلى استعراض تجربتها الناجحة مع برنامجى «الجوع صفر» و«بولسا فاميليا»، التى أطلقهما دى سيلفا خلال فترة رئاسته الأولى (2003 / 2010)، وتتوافق هذه الجهود مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، والتى تركز على القضاء على الجوع، بمشاركة مؤسسات أممية مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمى.
وأشار الرئيس البرازيلى إلى أن «الجوع والفقر ليسا نتيجة ندرة الموارد، بل هما تعبير بيولوجى عن المشكلات الاجتماعية». وأبرز الرئيس البرازيلى أن العالم ينتج نحو 6 مليارات طن من الطعام سنويا، بينما ينفق 2.4 تريليون دولار على التسلح.
وفى خطابه، أشار دا سيلفا إلى أن العالم اليوم يواجه أزمات أكبر من تلك التى واجهها عام 2008 (فى إشارة إلى الأزمة المالية العالمية)، حيث أصبحت النزاعات المسلحة والطوارئ المناخية وعدم المساواة الاجتماعية أكثر حدة، مع وجود 733 مليون شخص يعانون الجوع وفقا لإحصائيات برنامج الأغذية العالمى.
وقد هيمن على أجندة القمة، فى حضور الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته «جو بايدن»، والرئيس الصينى «شى جين بينج»، التوترات الدبلوماسية بشأن الاحتباس الحرارى العالمى ومعالجة عدد من القضايا التى تتراوح من الفقر والجوع إلى إصلاح المؤسسات العالمية.
ومن المرجح أن تبحث القمة أيضا أزمات دولية ملحة، منها الصراعات الجارية فى أوكرانيا، والشرق الأوسط، فيما غاب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن القمة، بعدما تغيب عن الاجتماعات الأخيرة بموجب مذكرة اعتقال دولية أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى على خلفية مزاعم بارتكابه جرائم حرب فى أوكرانيا.
ويعتزم رؤساء دول وحكومات القوى الاقتصادية الكبرى المتطورة والناشئة، وفى طليعتهم «بايدن» و«شى»، لإحراز تقدم حول مسألة تمويل سبل التصدى للتغير المناخى.
وسلط تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية الضوء على تعلق الآمال فى تحقيق انفراجة مرتقبة خلال اجتماع زعماء مجموعة العشرين فى البرازيل الذى يعقد على مدار يومين الذى يأتى تزامنا مع دخول محادثات الأمم المتحدة الصعبة بشأن المناخ «كوب 29» أسبوعها الثانى فى أذربيجان والتى وصلت ـ بحسب التقرير ـ إلى طريق مسدود.
وتتفاوض ما يقرب من 200 دولة فى مؤتمر كوب 29 على اتفاق جديد لتزويد البلدان النامية بما يكفى من المال لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى وبناء القدرة على مواجهة الصدمات المناخية المتفاقمة.
وعلى الرغم من أن مهمة «كوب 29» الاتفاق على هدف لتعبئة مئات المليارات من الدولارات من أجل المناخ، فإن زعماء مجموعة العشرين هم من يمسكون بزمام الأمور، حيث تمثل دولهم 85% من اقتصاد العالم وهى أكبر المساهمين فى بنوك التنمية المتعددة الأطراف التى تساعد فى توجيه تمويل المناخ، كما أنها مسئولة عن أكثر من ثلاثة أرباع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى العالمى.
على الجانب الآخر، ذكرت إذاعة فرنسا الدولية عبر موقعها الإليكترونى أنه قد يصبح التوصل إلى اتفاق حول المناخ أكثر صعوبة مع عودة ترامب إلى السلطة، والذى يقال إنه يستعد لسحب الولايات المتحدة مرة أخرى من اتفاقية باريس للمناخ.
يأتى ذلك فى الوقت الذى اقترنت فيه الخلافات حول النزاعات الكبرى فى الشرق الأوسط بغموض حول الموقف الذى سيعتمده الرئيس الأرجنتينى خافيير ميلى، الليبرالى المتشدد والمشكك فى حقيقة التغير المناخى.
وقال رئيس الوفد الأرجنتينى إلى القمة فيديريكو بينييدو لوكالة الأنباء الفرنسية إن بوينوس آيريس قدمت بعض الاعتراضات ولن توقع «بالضرورة» النص، بدون الخوض فى التفاصيل
وقد هدد الرئيس الأرجنتينى خافيير ميلى، الحليف الوثيق للرئيس الأمريكى المنتخب، بعرقلة البيان المشترك المقرر أن يصادق عليه زعماء مجموعة العشرين، بسبب اعتراضه على فرض الضرائب على الأثرياء، وقضايا تغير المناخ وغيرها، وفق ما نقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» عن أشخاص مطلعين على المفاوضات.
واعتبرت الصحيفة، أن عودة ترامب تهدد بالفعل المبادرات الدولية بشأن تغير المناخ والضرائب، فى حين يكافح الدبلوماسيون من مجموعة العشرين للحفاظ على «إجماع هش».
وقالت مصادر مطلعة، إن الدبلوماسيين يتسابقون من أجل الوصول إلى إجماع نهائى بشأن البيانات المتعلقة بتمويل المناخ والقضايا الجيوسياسية، مثل الحرب الروسية ــ الأوكرانية.
ومن النقاط التى عارضتها الأرجنتين أيضا، هى الإشارة إلى أجندة الولايات المتحدة 2030 بشأن التنمية المستدامة، وقال أحد المسئولين البرازيليين: «تريد الحكومة الأرجنتينية أن تجعل من قمة العشرين فى البرازيل اختبارا بين القوى القديمة والجديدة، فبعد عام من المفاوضات هم يخلقون الآن مشكلات على أشياء قبلوها من قبل، كلمة بكلمة».
ولفت مفاوضون من الدول العشرين، بالإضافة إلى الاتحادين الأوروبى والإفريقى، إلى أن نص البيان المشترك الذى تم تداوله للموافقة الأولية عليه، ليس من الواضح ما إذا كانت جميع الدول ستوافق عليه فى النهاية.
ورغم أن البيانات الختامية للقمة ليست ملزمة قانونا، فإنها غالبا ما تحمل وزنا سياسيا كبيرا، وتشير إلى موقف جماعى بشأن تحديات عالمية رئيسية.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أمس الأول قادة العشرين إلى الاضطلاع بدورهم «القيادى» والقيام بـ«تسويات» تسمح بتحقيق «نتيجة إيجابية فى مؤتمر كوب29» حول المناخ المنعقد فى باكو حيث تتعثر المفاوضات حول هذه المسألة منذ أسبوع.
وتابع جوتيريش : «الأنظار تسلط بطبيعة الحال على مجموعة العشرين. فهى مسئولة عن 80% من الانبعاثات العالمية»، داعيا المجموعة إلى «أن تكون مثالا يحتذى به».
فى غضون ذلك، أعلن الرئيس الصينى رغبته فى «مواصلة تحسين» علاقات بلاده مع البرازيل وعقد لقاءات ثنائية مع العديد من القادة على هامش قمة العشرين.
وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية أن «شى» يعتزم إجراء مناقشات حول سبل «مواصلة تحسين العلاقات بين الصين والبرازيل، وتعزيز التكامل بين استراتيجيات التنمية فى البلدين، وحول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك».
بينما أفاد بيان لداونينج ستريت بأن رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر يعتزم لقاء الرئيس الصينى، لأول مرة منذ 6 سنوات، تحديدا فى فبراير 2018 بين شى وتيريزا ماى رئيسة الوزراء آنذاك.
وأكد البيان أن الحكومة البريطانية «تواصل السعى إلى مشاركة جادة ومستقرة وبراجماتية مع الصين على أساس المصالح الوطنية للمملكة المتحدة».
يأتى اجتماعهما فى الوقت الذى تسعى فيه بريطانيا إلى كسر الجمود فى العلاقات مع بكين، الذى بدأ خلال الفترة التى قضاها المحافظون فى السلطة، وفق ما ذكرت مجلة «بوليتيكو».
وتأتى المحادثات وسط مخاوف أوروبية وترقب صينى لعودة ترامب، والذى هدد خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على البضائع من الصين بموجب سياسته «أمريكا أولاً».
من جهة أخرى، أقر مصدر حكومى ألمانى قبل القمة بأن «المفاوضات حول أوكرانيا والشرق الأوسط هى الأكثر صعوبة، سنرى إلى أين يمكننا المضى فى البيان، سيكون هذا تحديا».