تفاصيل الخبر
إعلان " دار السلام " للطاقة .. مبادرة طموح تقودها الشراكة
التاريخ : 6 / 3 / 2025
لا يختلف أحد على الكهرباء باعتبارها عصب الحياة ومحركا لعجلة النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة. وفى إفريقيا يتعاظم التحدي، إذ يعيش حوالى 600 مليون شخص فى ظلام دامس بدون كهرباء. ولمواجهة هذه المعضلة، تحتاج القارة السمراء إلى ضخ استثمارات سنوية تقدر بنحو 25 مليار دولار لتحقيق حلمها فى الوصول الشامل إلى الطاقة.


مواجهة هذا التحدى بحزمة من الإجراءات الحكومية والشراكات شكلت «إعلان دار السلام للطاقة» الذى تم إصداره خلال فعاليات القمة الإفريقية للطاقة، التى عقدت فى دار السلام بتنزانيا. وحملت القمة اسم «المهمة 300» فى إشارة إلى هدف توصيل الكهرباء إلى 300 مليون مواطن إفريقى بحلول 2030. من خلال شراكة الحكومات وبنوك التنمية والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص. وهو ما عكسته أعمال القمة التى نجحت فى ختامها بإعلان ضخ أكثرمن 50 مليار دولار لتوسيع نطاق الوصول إلى الطاقة فى جميع أنحاء إفريقيا. بتنسيق بين ثلاث منظمات رئيسية، هى الاتحاد الإفريقي، ومجموعة البنك الإفريقى للتنمية، ومجموعة البنك الدولي.

ويمثل إعلان دارالسلام، معلماً رئيسياً فى معالجة فجوة الطاقة فى إفريقيا، إذ تشكل الالتزامات الواردة فى الإعلان إطاراً ملزماً من أجل توليد الطاقة بأسعار معقولة، وجذب رأس المال الخاص الإضافي، وتحقيق التكامل الإقليمي. وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة كما طالب الدكتور أكينوومى أديسينا، رئيس مجموعة البنك الإفريقى للتنمية، من أجل توسيع حصة الطاقة المتجددة، وتحسين أداء المرافق العامة. فعلى الرغم من أن حصة السكان الذين يمكنهم الوصول إلى الكهرباء فى إفريقيا زادت بشكل كبير من 399 فى عام 2015 إلى 52% فى عام 2024. فإنه لايزال 600 مليون شخص بدون كهرباء، وهو ما يمثل 83% من سكان العالم المحرومين من الكهرباء.

وفى خطوة داعمة لرحلة القارة نحو تحقيق الوصول الشامل للطاقة أعلنت كل من الدنمارك والمملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا واليابان عن مساهمات جديدة لصندوق الطاقة المستدامة فى إطار التحالف من أجل البنية التحتية الخضراء فى إفريقيا بتعزيزات تمويلية جاوزت 41 مليون يورو، لتمكين الصندوق من الوفاء بدوره كأداة رئيسية لتنفيذ المهمة 300 فى هذه اللحظة المحورية للقارة.

وتتمتع إفريقيا بإمكانات هائلة غير مستغلة للطاقة المتجددة، التى يمكن أن تغذى التصنيع الأخضر، وهو ما يجعل صندوق الطاقة المستدامة لإفريقيا صندوقاً جاذباً للمانحين للاستثمار فى الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتى نجحت فى تخصيص 108 ملايين دولار لتنفيذ 14 مشروعا فى القارة. يعتمد مستقبل الطاقة الخضراء فى إفريقيا على إطلاق العنان للحلول المالية المبتكرة التى تمكن القارة من استغلال ثرواتها المعدنية وتحويلها إلى «عملة» بديلة عن الاعتماد التقليدى على التمويل بالدولار أو اليورو. جاء ذلك خلال تقرير بعنوان «آلية جديدة للتخفيف من مخاطر العملة لدعم التحول فى مجال الطاقة فى إفريقيا» الذى تم الكشف عنه خلال فعاليات القمة. إذ يتوقع المتخصصون أن يسهم هذا التحول فى توفير استقرار سعر الصرف، وبالتالى تضييق فجوات التمويل وضمان أمن الطاقة والازدهار الاقتصادى على المدى الطويل. ومن المتوقع تنفيذ هذه الآلية مع تزايد الطلب العالمى على المعادن الحيوية بشكل كبير على مدى السنوات الثلاثين المقبلة.

ولعل أهم نتيجة أسفرت عنها القمة لإصلاح قطاع الطاقة، هى إطلاق المجموعة الأولى من المواثيق الوطنية للطاقة، التى جاءت بمثابة خارطة طريق بأهداف محددة لكل بلد وجداول زمنية لتنفيذ خطتها، والتى شملت 12 دولة كمرحلة أولى. ومن المتوقع أن تستكمل بقية الدول الإفريقية تطوير مواثيقها فى المراحل اللاحقة. وكان الأبرز من بين هذه المواثيق هو تبنى حلول الطهى النظيف. حيث سلطت تنزانيا الضوء على استراتيجيتها الوطنية التى تستهدف تمكين 80% من مواطنيها من الطهى النظيف بحلول عام 2034، حيث تم استعراض مجموعة متنوعة من الحلول المبتكرة، بما فى ذلك المواقد بالغاز البترولى المسال وأجهزة الطهى الكهربائية المتطورة التى تتيح الدفع حسب الاستخدام بأسعار معقولة لتمكين الأسر من الانتقال إلى الطهى النظيف.

وقد نجحت هذه المبادرات فى دمج نصف مليون أسرة فى كينيا وتنزانيا فى غضون ثلاث سنوات، مما ينبئ بقابلية هذا النهج للتوسع. وتبنى هذا الحل كإستراتيجية وطنية، جاء من أجل التعويض عن الآثار المدمرة للطهى على النار، التى تقتل 3000 شخص سنوياً فى تنزانيا، ويرتفع عدد الضحايا إلى 600 ألف على مستوى القارة. فضلا عن التأثيرات الضارة على البيئة نتيجة إزالة الأشجار والغابات التى تبلغ مساحتها 400 هكتار سنويًا جراء استخدامها كفحم وحطب.

وبحسب رشيد علي، المدير التنفيذى للجنة الإفريقية للطاقة، لا يتمكن مليار فرد فى إفريقيا من الوصول إلى الطهى النظيف، ويعتمدون على وقود الكتلة الحيوية مثل الخشب والفحم. حيث ترتفع فاتورة الخسائر التى تتكبدها القارة إلى 800 مليار دولار سنوياً جراء التكاليف الصحية والاقتصادية والبيئية. ما دعا رئيسة تنزانيا سامية حسن، بوصف أن أهداف هذه القمة تجاوزت هدف الوصول إلى الطاقة إلى تمكين الأسر، وتوفير الأمل بنوعية حياة لائقة وتوفير فرص عمل للشباب. تمثل القمة الإفريقية للطاقة -التى عقدت لأول مرة – نقطة تحول فى مسيرة التنمية الإفريقية، ويبقى السؤال الذى يطرح نفسه: هل ستنجح هذه المبادرة الطموح فى تحقيق هدفها بتحويل القارة السمراء من قارة العتمة إلى قارة النور؟ الإجابة تكمن فى مدى التزام الشركاء بتعهداتهم وتحويلها إلى واقع ملموس يغيرحياة الملايين .

العودة الى الأخبار